Intros

Here you can read intros from other books.

تقديم:
محمد على اليوسفي
لرواية: خريف البطريرك للروائي العالمي غابريل غارسيا ماركيز.

موسوعة تعج بأغاني الساحل الكولومبي وألحانه، حيواناته وأعشابه، طرائفه ومآسيه،
قصص حب وهمية وحقائق دموية، سحر وتعاويذ، مآدب من لحم بشري متبَل، وبحر يباع
قطعا مرقمة. رواية مفزعة يتجاوز بها غابرييل غارسيا ماركيز حدود أمريكا اللاتينية، ودكتاتور
كلي الوجود يعلن حالة الحرب على كل منافسيه، من الأطفال إلى الكرسي البابوي في روما
وصولا إلى الله: أنا الربُ، يقول في ذروة خريفه، عاش أنا. ويموت ضحاياه: أطفال
ومعارضون، رجال دين ومتمردون، هنود وهندوسيون، عرب ومضطهدون آخرون. عاش
أنا، يقول. غير أنه في النهاية يجد نفسه وجها لوجه مع الموت في صفحات رائعة يكثف فيها
ماركيز الوجه الآخر للحياة التي لم يكن البطريرك يراها ألا من قفاها.
قبل أن ينتهي زمن الأبَدية الهائل، وقبل أن تدق أجراس الحبور وتعلو معزوفات التحرُر،
ومنذ طفولة البطريرك إلى توليه السلطة أو، بالعكس، منذ توليه السلطة إلى طفولته الأولى
التي نتعرف عليها مندغمه ومتزامنة مع طفولته الثانية، حسب تسلسل الأحداث وتداخلها
في الرواية، يوجد زمن مغلق هو الحيز الذي تدور فيه أحداث رائعة ماركيز هذه. حركة دائرية
مغلقة ونشيد مذهل ضد الديكتاتورية، بأسلوب يجمع بين الشعر والموسيقى والسيناريو
السينمائي.
لعل صعوبة الرواية تكمن في الجهد الذي على القارئ أن يقوم به لإعادة تركيب الأحداث.
ذلك أن الرواية، بعد المشهد “البانورامي” الأوَل، تنطلق، مثل سيمفونية مؤثرة، في حركة
دائرية تجمع بين أحداث ماضية وتلميحات إلى أحداث أخرى آتية، ويتكرر فيها عزف آلات
الرعب نفسه، والاناشيد المتوحشة نفسها…غير أن الازمة الغنائية تأتي، مع نهاية كل فصل
أو خلاله، أكثر غنى وإيحاء… يموت البطريرك … لكننا نكتشفه على لسان الرواة، في الفصل
اللاحق، حيا، وفي ذلك إيحاء بتعاقب اللحن الجنائزي ذاته – كان موته موتا طبيعيا مزيفا –
ولأن خليفته لا يختلف عنه، فقد عاش البطريرك ما بين 107 و 232 عاما… إنه نموذج 14
جنرالا تعاقبوا على السلطة ( بعد أن يطفئ البطريرك كل الأضواء في قصره يلتحق بغرفة نومه
وفي يده مصباح، يرى نفسه منعكسا في المرايا جنرالاً واحداً، ثم جنرالين، ثم أربعة عشر
جنرالاً) يقول ماركيز، ضمن إيقاع متكرر في الرواية، حياة/ موت / موت مزيَف/ حياة/ موت/
موت مزيَف / للبطريرك. حتى النهاية: موت حقيقي – سقوط الدكتاتورية وخروج الحشود
إلى الشوارع…